مصير الشركس: لتذكير من خانته الذاكرة (1)

مصير الشركس: لتذكير من خانته الذاكرة (1)

عادل بشقوي

7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2024


Pyotr Nikolayevich Gruzinsky (1837-1892) • Public domain

المقدمة

تسلط هذه المقالة الضوء على الحقائق المروعة لحرب الإبادة الجماعية والإفناء ضد الأمة الشركسيةوهي الأحداث التي لم يحاول أي مراقب حصيف إيقافها. لا يدرك الكثير من الناس الفظائع والمآسي الوحشية التي تعرضت لها الأمة الشركسية خلال نضالها الطويل من أجل البقاء، والذي استمر لأكثر من قرن من الزمان. فقد دافعت الأمة الشجاعة عن نفسها وشعبها بشكل يائس ضد عدوان قوى الشر الجشعة لحماية وجودها وهويتها ووطنها وماضيها وحاضرها ومستقبلها.

السياق التاريخي

إن الخطط والمشاريع الاستعمارية التوسعية لروسيا لا تقل عن سقوط أخلاقي، تميز بمحاولات السيطرة على مصائر الآخرين. فقد كانت نواياهم الغزو والسيطرة على أوطان الآخرين في القوقاز وما وراؤه، بما في ذلك شركيسيا. لا شك أن الإمبراطورية الروسية نسّقت واتّفقت على هذه الخطط مع الإمبراطورية العثمانية، التي شاركت في عبء الزيف والأكاذيب والخداع، مستغلة مفاهيم الأخوة الزائفة والصداقة الخادعة لتبادل المنافع مع الإمبراطورية الروسية الجشعة.

معاهدة أدريانوبل (أدرنة)

في السباق نحو الحصول على الممتلكات الاستعمارية، شكّلت معاهدة أدرنة (Treaty of Adrianople)، التي أُبرِمت بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية في 14 سبتمبر/أيلول 1829، نقطة تحول حاسمة وبدأت مرحلة إقليمية جديدة. ولوضع ذلك في سياقه الصحيح، من الضروري الإشارة إلى معاهدة كوتشوك كاينارجا (Küçük Kaynarca)، الموقعة في 21 يوليو/تموز 1774. فقد أشارت هذه المعاهدة إلىبداية الاستسلام وضعف الإرادة والتفكك المحتمل للإمبراطورية العثمانية الطّاعنة في السن. وفي الوقت نفسه، استغلّت الإمبراطورية القيصرية الروسية نقاط الضعف هذه للاستيلاء على الغنائم الاستعمارية وتوسيع نفوذها الإمبراطوري على حساب العثمانيين“. [1]

تنافست القوى الإمبريالية على الاستحواذ على مناطق تضم أوطان شعوب وأمم القوقاز، بغض النظر عن التكلفة والظروف. اعتبر المستعمرون أن هذا حق مكتسب لهم. ويتحمل العثمانيون والقياصرة الروس المسؤولية الأخلاقية والقانونية. فبعد وقت قصير من توقيع معاهدة أدرنة، حاصر الأسطول الروسي في البحر الأسود السواحل الشركسية لمنع القوى الخارجية من مساعدة الشركس على الإستقلال. كما سمحت المعاهدة لروسيا بالسيطرة على المواقع الاستراتيجية في البحر الأسود وضم الجزر التي تسيطر على مصب نهر الدانوب إلى جانب الشريط الساحلي في القوقاز“. [2]

ومن المفارقات أن الإمبراطورية العثمانية ارتكبت عملاً من أعمال الخزي والعار وذلك بالتضحية بالأمة الشركسية ككبش فداء، على مذبح الانتهازية والنرجسية. فقد ذكرت معاهدة أدرنة تنازل الإمبراطورية العثمانية عنساحل القوقاز على البحر الأسود، والذي كان يشمل شركيسياعلى الرغم من أنها لم تكن قط جزءًا من الإمبراطورية العثمانية ولا تحت سيطرتها. فقد أثار هذا التنازل، الذي تم دون علم أو موافقة الشركس، غضب القادة الشركس، الذين لم يعرفوا بالمعاهدة إلا بعد إبرامها. وقد نبع غضبهم مما اعتبروه سلوكًا متهورًا وغير أخلاقي يعكس سوء التّقدير والنوايا الخبيثة. لقد أُشير إلى أن الصداقة العثمانيةالشركسية كانت نموذجًا من جانب واحد.

الغزو الروسي

تطورت الطموحات التوسعية الروسية إلى توترات وأعمال عدائية، نمت على مر السنين. وبدا أنها فتّاكة وعدوانية مع تزايد التوترات على طول الحدود الهشة بين روسيا وشركيسيا. فقد تم إنشاء القلاع الروسية مثل موزدوك وذلك لاستخدامها كقواعد لغزو واحتلال القرى والبلدات الشركسية. فقد بدأ اختراق الأراضي الشركسية في عهد الإمبراطورة كاثرين الثانية في عام 1763.

بحلول عام 1776، بنى الجيش الروسي عدة حصون على طول نهر تيريك لتطويق شركيسيا من الشمال. وردًا على ذلك، تمكن الشركس من جمع جيش قوامه 14000 جندي واستعادة عدة حصون، وأسر العديد من الجنود في هذه العملية. وبحلول عام 1793، استولى الجنرال سوفوروف على أراضي قبائل الشابسوغ والبجدوغ على طول نهر كوبان“. [3]

قاوم الشركس، بقدراتهم المحدودة، جميع محاولات التدخل منذ اللحظات الأولى التي كشّرت فيها الإمبراطورية الروسية عن أنيابها وبدأت في تحقيق طموحاتها الاستعمارية. كانت روسيا تهدف إلى الوصول إلى المياه الدافئة للبحر الأسود والسيطرة على شركيسيا بعد إبادة شعبها وتشريد أو ترحيل الناجين إما إلى ما وراء نهر كوبان أو إلى الإمبراطورية العثمانية. وكانت الخطة تقضي بإنشاء مستوطنات واستبدال السكان الأصليين بمستوطنين من أعراق وقوميّات مختلفة، متوافقة مع الأهداف الاستعمارية.

كانت الإمبراطورية العثمانية، في وضع هش وغير مرغوب فيه منذ القرن السابع عشر، وكانت تواجه واقعًا قاسيًا. فقد تصادمت الصراعات والطموحات والمصالح بين القوى التوسعية الكبرى والإقليمية، مع إثبات أن الإمبراطورية الروسية هي القوة الأكثر انتشارًا وتوحُّشًا وافتراسًا.

الحملات العسكرية: الحرب الروسيةالشركسية

لم تكن الحرب مجرد مسألة مهاجمة القوات الروسية للمدن والقرى الشركسية واحتلال الأراضي الشركسية تدريجيًا. بل كانت مصحوبة أيضًا بالدعاية والأكاذيب والمعلومات المضللة التي تستهدف ليس فقط الأمة الشركسية ولكن أيضًا الشعوب والأمم الأخرى داخل القوقاز وخارجه.

وبحلول عام 1801، أكدت الإمبراطورية الروسية ضمها لجورجيا، مما جعل تبليسي مركزًا لقيادتها العسكرية في جنوب القوقاز. ومن هناك، قادت العمليات المتعلقة بالحرب التي بدأت في عام 1763 ضد شركيسيا.

أصبحت وحشية القوات الروسية، إلى جانب نفاق القوى الدولية والإقليمية، أكثر وضوحًا مع تقدم الحرب. وفرض أسطول البحر الأسود الروسي حصارًا على الساحل الشركسي، مما أدّى إلى حصار اقتصادي خانق.

نفّذ المخطّط العسكري الكونت دميتري ميليوتين، الذي أصبح وزيرًا للحرب لدى الامبراطور الكسندر الثاني في عام 1861، اقتراحًا صدر في عام 1857 لطرد الشركس إلى الإمبراطورية العثمانية. ما أدّى ذلك إلى موافقة القيصر على هذا الطرد السريع وإلى التطهير العرقي من خلال المرض والغرق أثناء عبور العبّارات المكتظة بالركاب البحر الأسود. ولم يكن العثمانيون مستعدين لتدفق اللاجئين، ما تسبب في غياب المأوى المناسب والمزيد من الوفيات“. [4]

تم احتلال قباردا وشركيسيا الشرقية أولاً، تلاها شركيسيا الغربية. سقطت سوتشي، آخر عاصمة شركسية، في 21 مايو/أيّار 1864، إيذانًا بنهاية الحرب الروسيةالشركسية.

وخلال الحرب، لم تعترف الإمبراطورية الروسية بشركيسيا كإقليم مستقل، ونتيجة لذلك، اعتُبِرت شركيسيا أرضًا روسية كانت تحت احتلال المتمردين، على الرغم من حقيقة أن المنطقة لم تكن ولا كانت في أي وقت مضى تحت السيطرة الروسية. [5] لم يشر الجنرالات الروس إلى الشركس باسمهم العرقي، بل أطلقوا عليهم بدلاً من ذلك اسمالجبليينوقطاع الطرقوحثالة الجبال“. [6] [7] لقد خضعت الحرب لمراجعة تاريخية كما أثارت الجدل بسبب حقيقة أن المصادر الروسية اللاحقة تجاهلت الصراع أو قلّلت من شأنه في الغالب، وذهبت وسائل الإعلام والمسؤولون الحكوميون الروس إلى حد الادعاء بأن الصراعلم يحدث أبدًاوزعموا كذلك أن شركيسياانضمت إلى روسيا طواعية في القرن السادس عشر“. [8] [9]

الخلاصة

تواصل روسيا التصرف دون شعور بتأنيب الضمير، متجاهلة مطالب الشعوب والأمم المضطهدة التي احتُلّت أوطانها وتم ضمها لكيانها. كما انخرطت في حملات استعمارية أخرى، مثل الحرب ضد أوكرانيا، التي بدأت في 24 فبراير/شباط 2022، وتستمر حتى يومنا هذا.

فعلى الرغم من إنكارها وتزويرها للتاريخ، إلا أن الحقيقة باقية. وتواصل الشّعوب والأمم الدفاع عن حقوقها المشروعة وكرامتها الوطنية ضد أطول احتلال استعماري منذ القرن التاسع عشر.


************************

المراجع:

[1] https://justicefornorthcaucasus.info/?p=1251679006

[2] https://justicefornorthcaucasus.info/?p=1251682825

[3] (Bashqawi, Adel (15 September 2017). Circassia: Born to Be Free.)

[4] https://www.smithsonianmag.com/history/150-years-ago-Sochi-was-the-site-horrific-ethnic-cleansing-180949675/#:~:text=The%20Russian%20Empire%20expelled%20600,000%20Circassians%20from%20the%20Caucasus%20region

[5] (Richmond, Walter (9 April 2013). The Circassian Genocide.)

[6] (Richmond, Walter (9 April 2013). The Circassian Genocide.)

[7] (Capobianco, Michael (13 October 2012). “Blood on the Shore: The Circassian Genocide”.)

[8] (Bashqawi, Adel (15 September 2017). Circassia: Born to Be Free.)

[9] (Richmond, Walter (April 9, 2013). The Circassian Genocide.)

Share Button