أين كان هذا الحب والإعجاب مختفيًا؟

أين كان هذا الحب والإعجاب مختفيًا؟

عادل بشقوي

29 أغسطس/آب 2024

https://www.toonpool.com/cartoons/MACHIAVELLI_167721# / MACHIAVELLI By Kestutis


المقدمة

هيمنت العديد من القضايا المعقدة على الأحداث في منطقة القوقاز والساحة الإقليمية منذ انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي وظهور خمس عشرة جمهورية، وصفت بأنها مستقلة. لسوء الحظ، واحدة من هذه الجمهوريات، التي تعرف باسم روسيا الاتحادية، هي فيدرالية في الاسم فقط. إنها الأكبر من حيث المساحة والسكان، حيث احتفظت روسيا بالعشرات من الشعوب والأمم دون إذنهم، أو مشاورتهم، أو موافقتهم المسبقة، مجبرة إياهم على أن يكونوا أعضاء في اتحاد اسمي واستبدادي. لقد فقدت هذه الشعوب حريتها وحقها في تقرير المصير والسيادة والاستقلال.

يسهم هذا الوضع على المدى الطويل في الاندماج العرقي في بوتقة واحدة، مما يساعد العنصر السلافي الروسي واللغة والثقافة الروسية على الانتشار. وهذا يؤدي إلى احتمال مثير للقلق بأن لغات هذه الشعوب الصغيرة ستختفي عاجلاً أم آجلاً، مما يضعف الثقافات واللغات الوطنية المتعددة للشعوب غير الروسية داخل الكيان الروسي تدريجياً. من الجدير بالذكر أن اليونسكو أصدرت أطلسًا للغات العالم المعرضة لخطر الانقراض،[1] الذي يدق ناقوس الخطر بشأن هذه اللغات المهددة بالاختفاء.


الحرب الروسية المفروضة على أوكرانيا

وسط الاضطرابات التي تسببت فيها حرب روسيا على أوكرانيا وتصاعد القتال مؤخرًا، عبرت القوات الأوكرانية الحدود الروسية واحتلت أجزاء من مقاطعة كورسك الروسية. وقد أظهرت هذه الخطوة أن القوات الروسية في موقف لا تحسد عليه، بعد نشوة الغطرسة والغرور التي سيطرت على المشهد في بداية الحرب.

أعلنت روسيا أن المناطق التي وصلت إليها قواتها واحتلتها لن يتم التخلي عنها، خاصة بعد احتلال شبه جزيرة القرم في عام 2014 والغزو واسع النطاق لاحتلال أوكرانيا في عام 2022. وبالتالي، سيتم ضم هذه المناطق إلى الدولة الروسية من خلال إجراء استفتاءات وهمية سريعة، في انتهاك للقوانين والمعايير الدولية ومبادئ القانون الدولي. من غير المقبول الاستيلاء على أراضي الآخرين بالقوة، علمًا بأن أوكرانيا دولة مستقلة ذات سيادة وعضو في الأمم المتّحِدة. فقد انتهكت روسيا بشكل صارخ التزاماتها الدولية الملزمة وقواعد حسن الجوار.

إن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وغزوها السري للشرق الأوكراني يسلط الضوء بشكل غير مريح على قيمة الضمانات الأمنية التي تعهدت بها القوى النووية لأوكرانيا مقابل نزع سلاحها النووي. ففي عام 1994، قدمت الدول الثلاث المودعة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) — روسيا، الولايات المتحدة، والمملكة المتحدةضمانات أمنية إيجابية وسلبية لأوكرانيا. وأكدت الدول المودعة التزامها بسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها من خلال توقيع ما يعرف باسم مذكرة بودابست.[2]


ممارسة السياسات الميكافيلية

pediaa

في هذا السياق، من الضروري تسليط الضوء على السياسة الميكافيلية التي تتبعها الدولة الروسية في تعاملها مع الشعوب الخاضعة لها من جهة، ومع الشعوب الأخرى من جهة أخرى. هذه السياسة تجعل من الممكن تحويل العدو اللدود إلى صديق، حتى وإن كان على مضض، والعكس صحيح.

ومع ذلك، يجب أن يتماشى المنطق السليم مع عدم الاستسلام والخضوع للوحشية، وعدم تثبيط عزيمة الشعوب. فالجنود الشيشانيون الذين يتم تجنيدهم وقيادتهم كالخراف ليتم التضحية بهم في حرب عبثية ومتعثرة، هم أبناء وأحفاد عشرات الآلاف من شعبهم الذين تعرضوا لأحد أسوأ الحملات العسكرية الروسية العنصرية التي مارست القتل والدمار والإبادة الجماعية بين عامي 1999 و 2009. ومن الجدير بالذكر أن الطبقة الحاكمة والقلّة المتميّزة الذين كانوا وما زالوا موالين لقوات الإحتلال وتعاونوا معها، لم يتأثروا بالأذى كما تأثرت الغالبية العظمى من الشعب.

هذا ليس سوى ممارسة للسياسة الميكافيلية التي يمكن تلخيصها بأنهاسمة شخصية تتميز بالتلاعب والخداع ومستويات عالية من المصلحة الذاتية، وتميل إلى رؤية الآخرين كوسائل لتحقيق الغايات. إن الأشخاص الذين يظهرون مستويات عالية من الميكافيلية [3]- والتي يطلق عليها بعض علماء النفس {الماكيافيلية ذات المستوى العالي}يفتقرون إلى التعاطف ويأخذون نظرة ساخرة وغير عاطفية للعالم؛ وتتركز اهتماماتهم الأساسية حول السلطة والوضع الاجتماعي، وسيفعلون كل ما هو ضروري لتحقيق أهدافهم“.


فلاديمير بوتين في زيارة مفاجئة للشيشان

Al Jazeera

مع اشتداد القتال على الجبهة الأوكرانية وازدياد الخسائر في الأرواح والممتلكات، ونتيجة لحاجة القوات الروسية لتجنيد المزيد من المجندين وإرسالهم للقتال في معارك تستنزف الكثير من القدرات والجنود، بدأت السلطات بتجنيد المزيد من المجندين، وخاصة من الشعوب غير الروسية، مما زاد من الخسائر في الأرواح نتيجة للحرب المستعرة.

تم تجنيد الشباب من شعوب شمال القوقاز وعشرات الشعوب الأخرى. ومن المثير للاهتمام هنا أن الحاكم الشيشاني الموالي لموسكو، المتناغم مع القيادة الروسية في السراء والضراء، قد أرسل قواته للقتال على الجبهة الأوكرانية منذ اندلاع الحرب وحتى يومنا هذا، حيث تكبدوا العديد من الخسائر في الأرواح.

وفي تطور مفاجئ، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين [4] بزيارة غير متوقعة وغير معلن عنها مسبقًا إلى العاصمة الشيشانية غروزني، حيث استقبله رمضان قديروف. فقد استعرضوا الأمور ذات الاهتمام المشترك بشأن إرسال مزيد من القوات الشيشانية للمشاركة في القتال. تم الإعلان عن إرسال المزيد من القوات الشيشانية للقتال ضمن القوات الروسية في أوكرانيا. ويبدو أنهم تغاضوا عن كل الإساءات اللفظية ضد الشيشانيين التي صدرت عن القيادات الروسية المختلفة عندما اندلعت الحرب الشيشانية الثانية، بالإضافة إلى اقتراف جرائم القتل والدمار والإبادة الجماعية والنزوح الذي تسببت به المعارك والضربات الجوية والصواريخ الروسية ضد الشعب الشيشاني.

قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحاكم الشيشان رمضان قديروف يوم الثلاثاء (20 أغسطس/آب) بتفقد القوات الشيشانية والمتطوعين الذين يستعدون للقتال في أوكرانيا، وفقًا لما ذكره الكرملين، في أول زيارة لبوتين إلى جمهورية شمال القوقاز منذ 13 عامًا. جاءت هذه الزيارة المفاجئةا إلى الجمهورية المسلمة في الغالب التي هي جزء من روسيا بينما تحارب موسكو لدفع القوات الأوكرانية خارج مقاطعة كورسك بعد أسبوعين من اجتياحها وعبورها الحدود في أكبر غزو لروسيا منذ الحرب العالمية الثانية“.

التورط الروسي في أوكرانيا

في ضوء المغامرات العسكرية الروسية منذ الحرب الشيشانية الثانية، والحرب مع جورجيا في عام 2008، واحتلال وضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، ومغامراتها في سوريا منذ عام 2015، ومغامرات مرتزقة فاغنر في البلدان الأفريقية، وخاصة ليبيا، ظهر هذا السؤال: ”هل سيستخدم الجيش الروسي مرة أخرى التكتيكات الوحشية التي استخدمها في الحرب الشيشانية؟لقد جاء الجواب على وجه السرعة، وجاء حاسمًا في فبراير/شباط 2022، منذ تورط الدولة الروسية في غزو جارتها أوكرانيا ومحاولة احتلالها وربما ضمها قسرًا إلى الدولة الروسية، بحجج واهية وغير منطقية، بل وحتى ساذجة.

هذه ليست قضية مستجدّة، بل يعود تاريخها إلى عام 2014.  حيث كانتتشير تقارير مختلفة من أوكرانيا وروسيا والشيشان إلى وجود مشاركة شيشانية في العمليات العسكرية في شرق أوكرانيا لدعم الموالين لروسياتسعى روسيا للحصول على الدعم على أساس ديني وتخطط لكسب تعاطف الغرب؛ تظهر المشكلة لروسيا وللغرب كما لو كانت قادمة من المسلمين أو الإسلام، رغم وجود تاريخ طويل لروسيا في اغتيال السياسيين والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان داخل روسيا وخارجها“. [5]


تلفيق الأعذار والتصرف بناءً عليها

على ما يبدو، لم يكن من الصعب أو المستحيل تلفيق سبب لاستعداء المسؤولين الروس. كانت النية هي استفزاز الروس وجعلهم يطالبون بإعلان الحرب على من لا يطالبون سوى بالحرية وحق تقرير المصير والاستقلال لوطنهم. علمًا بأن الشيشان كانت قد احتُلّتْ وضُمت إلى روسيا في القرن التاسع عشر. ومع ذلك، تمكن الشيشانيون من تحرير وطنهم في الحرب الشيشانية الأولى (1994-1996)، واستعادوا حريتهم وحقهم في تقرير المصير الذي يؤدي إلى الاستقلال. ومع ذلك، كانت السيناريوهات والمؤامرات المُخادعة تُدبّر وتتوالى لإعادة احتلال الشيشان وإعادة ضمها إلى روسيا.

ويشير كتاب تفجير روسيا (Blowing Up Russia) لألكسندر ليتفينينكو ويوري فليشينسكي، [6] بشكل لا يقبل التّأويل، استنادًا إلى مصادر موثوقة، إلى أن هذه المؤامرة، ووفقًا للكتاب وأشخاص مطلعين كانوا جزءًا من أجهزة الأمن والمخابرات السوفياتية/الروسية (KGB/FSB)، أن الخطة كانت تهدف إلى إحداث إنفجارات تستخدم كتبرير مباشر للحرب الشيشانية الثانية. فشهدت إعادة احتلال الشيشان الذي جاء نتيجة للعدوان العسكري والمجازر والدمار. كانت هذه المغامرة العسكرية تهدف إلى التحايل على جميع الاتفاقيات التي وقّعها الكرملين خلال عهد الرئيس بوريس يلتسن مع حكومة الاستقلال الشيشانية، والتي كانت ستؤدي إلى ممارسة حق تقرير المصير والاستقلال.

تشمل تجاوزات الأجهزة الأمنية فبركة وتلفيق الأخبار والتهم. يوضح المحققون في موسكو كيف تحوّل قسم موسكو التابع لجهاز الأمن الفيدرالي إلى عصابة من المجرمين. كانت الأهداف السياسية للحرب الشيشانية الثانية أكثر خطورة بكثير: إن روسيا التي لطّخت سمعتها باقترافها الإبادة الجماعية لأحد شعوب القوقاز، سوف تستبعد لعقود من مجتمع الأمم المتحضرة بسبب أفعالها. إن فضيحة جهاز الأمن الفيدرالي الروسي في ريازان توضّح كيف تم رصد عملاء جهاز الأمن الفيدرالي في ريازان وهم يزرعون أكياس السكر التي تحتوي على الهكسوجين في حي سكني في منطقة داشكوفوبيسوشنيا. لم يتم العثور على مرتكبي الهجمات الإرهابية في بونياك، وموسكو، وفولغودونسك، ولا يمكننا إلا أن نخمن من يقف وراء هذه الهجمات من خلال القياس على أحداث ريازان، 1304 [7] مشيرًا إلى أنه في 24 سبتمبر/أيلول، وكما لو كانت جوقة من المغنين في عرض مسرحي مخطط له جيدًا، بدأ السياسيون الروس في المطالبة بالحرب، وتوصلوا إلى استنتاج مفاده أنه عندما تدوي المدافع، يسكت المدعون العامون“. [8]


التكتيكات المستخدمة لتنفيذ الخطة الاستعمارية

سعى فلاديمير بوتين إلى أن يعكس ويكشف كراهيته العميقة التي كانت في أفكاره وخططه. لقد نطق بعبارة غير ملائمة تُظهر رغبته في التخلص من خصومه حتى في أكثر الظروف مهانة. بالإضافة إلى شن غارات جوية عنيفة، وقصف بالمدفعية طويلة المدى والصواريخ، لم يترك أي مكان في الشيشان دون أن يمسّه الدمار. أدت العمليات العسكرية الروسية إلى قتل وإبادة وتهجير الآلاف من الشيشانيين. لقد حوّلت سياسة الأرض المحروقة كل شيء إلى رماد خلال تقدم الدّبابات والآليات العسكرية. وقال في سبتمبر/أيلول، في ما يعتبره معظم الروس الإقتباس الأكثر شهرة: ”سنلاحق الإرهابيين في كل مكان. [9] أعذروني، لكن إذا أمسكنا بهم في المرحاض، فسنقضي عليهم في المرحاض“.

ماذا يعني عندما يقدم رئيس النظام الروسي شخصياً خناجر تذكارية خاصة في مأدبة مشهورة أقيمت على مقربة من ساحة المعركة، بحضور أحمد قديروف، الذي كان مفتي الشيشان خلال حقبة الاستقلال، من أجل تكريم أفراد الخدمة العسكرية الروسية ومنفذي أوامر الغزو؟ وارتكب الجيش الروسي آنذاك جرائم دمار شامل عندما مضى في قتل وتهجير أفراد الشعب الشيشاني، الذين تحملوا الكثير من الضرر والاضطهاد.

مع استمرار الحرب الشيشانية الثانية، في يوم رأس السنة من عام 2000، قام رئيس الوزراء الروسي والرئيس الروسي بالوكالة فلاديمير بوتين برحلة عمل قصيرة إلى غوديرميس لتقديم المكافآت والميداليات شخصياً لأفراد الجيش الروسي الذين يخدمون في الشيشان. خلال الزيارة، التقى مع المفتي السابق للشيشان أحمد قديروف، الذي كان مسؤولاً روسياً موثوقاً في الشيشان ولاحقاً تم تعيينه رئيساً لجمهورية الشيشان. ”قدم الرئيس بالوكالة فلاديمير بوتين جوائز الدولة لأفراد القوات الفيدرالية المشتركة في شمال القوقازالسيد بوتينقدم خناجر الصيد التي نُقِشَ عليها: ”من رئيس وزراء الإتّحاد الروسي“. [10] 

لقد كانت أول حرب يشنها بوتين، أولاً كرئيس للوزراء، ثم كرئيس بعد مايو/أيار 2000. بدأ سلاح الجو الرّوسي قصف المناطق على الحدود الشيشانية في أغسطس/اب 1999. وخلال شهر سبتمبر/أيلول التالي، نفّذت الطائرات الحربية الروسية 1500 طلعة جوية في الشيشان والجمهورية المجاورة داغستان. في 1 أكتوبر/تشرين الأول، عبر الجنود الحدود بأوامر من بوتين“. [11]

ومع بلوغ التوترات والتهديدات إلى مستويات غير مسبوقة،قامت القوات الروسية بقصف الأهداف المدنيّة بشكل عشوائي وغير متناسب، مما تسبب في سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين. فقد  تجاهلت القوات الروسية التزاماتها بموجب اتفاقية جنيف التي تقضي بتركيز هجماتها على المقاتلين، ويبدو أنها لا تتخذ سوى القليل من إجراءات الوقاية لحماية المدنيين: إن حملة القصف  المكثف هذه، هي المسؤولة عن الغالبية العظمى من وفيات المدنيين في الصراع في الشيشان“. [12]

استخدمت القوات الروسية صواريخ أرضأرض قوية في مناسبات عديدة، مما أسفر عن سقوط مئات القتلى في قصف السوق المركزي في غروزني وفي العديد من البلدات والقرى الصغيرةلقد حولت حملة القصف العديد من أجزاء الشيشان إلى أرض مقفرة: حتى أنّ أكثر المراسلين الحربيين خبرة الذين تحدثت إليهم أخبروني أنهم لم يروا في حياتهم شيئًا مثل تدمير العاصمة غروزنيوغالبًا ما رفضت القوات الروسية فتح ممرات آمنة للسماح للمدنيين بمغادرة مناطق القتال النشط، مما حاصر المدنيين خلف الخطوط الأمامية لعدة أشهر“. [13]

لقد مهّد التحريض المستمر من قبل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، بعد أن حرّض فلاديمير بوتين، الزّميل السابق في جهاز الاستخبارات السوفياتية / جهاز الأمن الفيدرالي، ودعا إلى عودة الجيش الروسي لاحتلال وإعادة ضم الشيشان مرة أخرى إلى روسيا، مما مهد الطريق لارتكاب فظائع كارثية. قال: ”ولا حتى فلاديمير بوتين استطاع تجميل المشهد عندما حلّق في طائرة هليكوبتر فوق غروزني في عام 2004. حيث أعلن أن العاصمة الشيشانية {بدت مروعة}. وقبل ذلك بعام، أعلنت الأمم المتحدة أن غروزني هي المدينة الأكثر تدميراً في العالم“. [14]


قمع وقتل الصحفيين الباحثين عن الحقيقة

Wikipedia

من بين السياسات الاستبدادية والقهرية التي يتّبعها النظام الروسي في مختلف أنحاء منطقة شمال القوقاز وخارجها، إغلاق وسائل الإعلام ومحاكمة الصحفيين بتهم ملفقة. يتم إسكات الصحفيين لمنعهم من نقل الحقيقة إلى الجمهور. كما تغلق السلطات الباب أمام حرية التعبير ومعارضة الحكومة بأي طريقة ممكنة. عندما تعجز السلطات عن نشر دعايتها، تظهر ضجرها من الصحفيين، فتتخلص منهم بطرق وحشية مختلفة. مثال على ذلك الصحفية الشهيرة والناشطة في مجال حقوق الإنسان آنا بوليتكوفسكايا، التي كانت من أشد المعارضين للحرب الشيشانية، لكنها بعد نجاتها من عدة محاولات اغتيال، قُتلت في نهاية الأمر في 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2006. لقد وقعت ضحية للمبادئ الإنسانية الرفيعة التي كانت تؤمن بها دائمًا. كانت آنا بوليتكوفسكايا، قداشتهرت بتقاريرها الاستقصائية عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها الجيش الروسي في الشيشان. وخلال سبع سنوات من تغطية الحرب الشيشانية الثانية، أثارت تقارير بوليتكوفسكايا غضب السلطات الروسية مراراً وتكراراً. وقد تعرضت للتهديد والسجن والإجبار على النفي والتسمم أثناء مسيرتها المهنية، وفقاً لأبحاث لجنة حماية الصحفيين“. [15]

ونشرت لجنة حماية الصحفيين على موقعها الإلكتروني أن ”57 صحفيًا قُتلوابحلول ديسمبر/كانون الأوّل 2006. [16] وفي السياق ذاته، تشير الأرقام الحديثة في عام 2024 إلى أنأكثر من 100 صحافي أصبحوا ضحايا الجرائم الروسية خلال عامين من تغطية الحرب في أوكرانيا“. [17]

كذلك، ومن أجل الدقة والحرص في ذكر الحقائق، تظهر معلومات محدثة أنقائمة الروس المؤثرين الذين قُتلوا أو ماتوا في ظروف غامضة بعد معارضتهم أو انتقادهم أو معاداتهم للرئيس الروسي فلاديمير بوتن أو الكرملين أو الدولة طويلة. وقد أصبحت أطول“. [18]


الرئيس الراحل جوهر دوداييف يقرأ المستقبل

تتكيّف سياسات روسيا باستمرار مع الأحداث والتطورات الجارية. وطموحاتها الكبرى تتجاوز التوقعات السابقة كلما أمكن ذلك، تبعاً لمتطلبات وأهداف الحفاظ على الاستعمار الروسي. وحتى لو كان الثمن هو الإساءة للآخرين، فقد لاحظ الرئيس الشيشاني الراحل جوهر دوداييف ذلك بذكاء من خلال معرفته وخبرته بالنظام الذي عاش وترعرع فيه. وقد علق على السلوك الروسي وطرق ابتداع العلاقات التي أصبحت جزءاً من طبيعتهم وسماتهم.

لا عجب أن الأنماط الثابتة في السياسات الاستعمارية وسلوكياتها تشبه الحرباء في تغيير لونها والثعبان في تبديل جلده، عندما يكون من الضروري التقارب مع أوروبا أو الغرب أو أي طرف مناسب أخر لتحقيق الأرباح والمكاسب، مع الحفاظ على المستعمرات بأي ثمن. ومع ذلك، ومن دون ذكر أن جزءًا من السياسة الاستعمارية سيتم ممارسته بأسلوبفرق تسدبين أبناء الأمة الشيشانية نفسها. وبالتالي، تحقيق أهداف الاستعمار كلما كان ذلك ضروريًا.

معلقًا على الفشل والهزيمة والانسحاب من أفغانستان، قال الرئيس الراحل: ”قرروا تغيير سياستهم، وشرعوا في كسب أوروبا إلى جانبهم، وبدأوا في مغازلة أوروبا لزيادة وجودهم إلى المحيط الهندي، والشرق الأوسط، والبوسفور، والبحر الأحمر، وأخيراً صفعة لأوروبا“. وتابع: ”أفغانستان، ثم عقبات أخرى، والآن إشكيريا. فإشكيريا أحبطت شهيتهم، لكنها لم توقفهم“. ومن المدهش، كما لو أنّهُ في عام 1995، كان يستطيع قراءة المستقبل، ويرى ما سيحدث من عام 2014 فصاعدًا. وأضاف في حديثه: ”سيكون هناك مجزرة في القرم، وسيكون هناك تصادم بين أوكرانيا وروسيا في صراع لا يمكن التوفيق فيه. وطالما أن الرّوْسَنَة* باقية، لن تتخلى أبدًا عن طموحاتها. لذا الآن يلعبون بالورقة السلافية. مرة أخرى يريدون إخضاع أوكرانيا وروسيا البيضاء، كما كان من قبل، ليصبحوا أقوى وهكذا“. [19]

* الرّوْسَنَة تعني (التسليم بقبول النفوذ الروسي وسيطرته على كافة مجالات الحياة).

إن محاولة تحرير شعب يريد أن يظل خاضعًا أمر صعب وخطير تمامًا كما هو الحال مع استعباد شعب يريد أن يظل حرًا“. [20] — نيكولو مكيافيلي

المراجع:

[1] (https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000187026)

[2] (https://www.wilsoncenter.org/sites/default/files/media/documents/publication/Issue%20Brief%20No%203–The%20Breach–Final4.pdf)

[3] (https://www.psychologytoday.com/us/basics/machiavellianism)

[4] (https://www.reuters.com/world/europe/putin-inspects-troops-readying-fight-ukraine-surprise-trip-chechnya-2024-08-21/)

[5] (Circassia: Born to be Free, p. 511, Adel Bashqawi)

[6] (https://www.theguardian.com/theobserver/2007/jan/21/politics)

[7] (https://felshtinsky.livejournal.com/707.html)

[8] (Circassia: Born to be Free, p. 513, Adel Bashqawi)

[9] (https://www.latimes.com/archives/la-xpm-2000-jan-01-mn-49592-story.html)

[10] (https://www.latimes.com/archives/la-xpm-2000-jan-01-mn-49592-story.html)

[11] (http://en.kremlin.ru/events/president/news/37353)

[12] (https://www.hrw.org/news/2000/02/29/war-crimes-chechnya-and-response-west)

[13] (https://www.hrw.org/news/2000/02/29/war-crimes-chechnya-and-response-west)

[14] (https://www.nzz.ch/english/the-chechen-war-as-a-model-for-putins-next-steps-in-ukraine-ld.1673308)

[15] (https://justicefornorthcaucasus.info/?p=1251674275)

[16] (https://cpj.org/data/killed/2006/anna-politkovskaya.php/?status=Killed&motiveConfirmed%5B%5D=Confirmed&type%5B%5D=Journalist&start_year=2006&end_year=2006&group_by=location)

[17] (https://rsf.org/en/more-100-journalists-victims-russian-crimes-during-two-years-covering-war-ukraine)

[18] (https://www.rferl.org/a/enemies-kremlin-deaths-prigozhin-list/32562583.html)

[19] (https://youtu.be/IavEOx3hUAk?si=L5On4enomUcg9g7n)

[20] (https://quotefancy.com/quote/973339/Niccol-Machiavelli-It-is-just-as-difficult-and-dangerous-to-try-to-free-a-people-that)

Share Button