عندما يقرر المستعمر دون مشاورة الأمم المستعمرة

عندما يقرر المستعمر دون مشاورة الأمم المستعمرة

عادل بشقوي

18 أغسطس/آب 2024


Russian military and Circassian representatives meet for discussions, 1855

المقدمة

ليست المرة الاولى ولن تكون الأخيرة التي تتخذ فيها القيادات السياسية في  الدولة الاستعمارية الروسية قرارات سيادية بالغوا في قسوتها على الذين من المفترض ان يكونوا شركاء في الوطن وفي اتخاذ القرارات التي تتعلق بالدولة والمواطنين المفترضين الذين هم أبناء الشعوب والأمم المنكوبة والمضطهدة التي اخضعتها الإمبراطورية الروسية بالحديد والنار منذ القرن التاسع عشر.


Pyotr Nikolayevich Gruzinsky (1837-1892) • Public domain / Painting depicting Circassians trying to evacuate their town in order to avoid being massacred

الإمعان في السياسة الإستعمارية

لم يكن إعلان تعليق مشاركة روسيا الرسمي فيالاتفاقية الإطارية الأوروبية لحماية الأقليات القومية، ابتداءً من الأول من أغسطس/آب 2024، سوى هروب للأمام من الالتزامات بدلاً من التعامل والتفاعل معها. وتبع ذلك نشرالإعلان الرسمي لوزارة الخارجية الروسية بشأن هذا الأمر يوم الأربعاء (14 أغسطس/آب 2024)، على  الموقع القانوني الرسميعلى الإنترنت.

وبما أن الشيء بالشيء يُذكَر، فإن هذا يذكرنا بموضوع لا يقل أهمية. فقد تم ضم عشرات الشعوب والأمم إلى ما دُعيَ ظلمًا وبُهتانًا بـروسيا الفيدراليةدون استشارتهم أو الحصول على موافقتهم المسبقة، ليصبحوا أعضاءً مرغمين صاغرين باتباع قوانين وإجراءات استبدادية لم يكن لهم دور في صياغتها. علمًا بأن انضمامهم الصوري كان رغمًا عنهم، فوجدوا أنفسهم ضُمُّوا اسميًا إلى دولة استعمارية استبدادية بعنوان ديكوري فارغ من أي محتوى ملموس أو إبداعي.


ومن نافلة القول أن هذا الإعلان الوليد بالانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحماية الأقليات القومية كان بدافع الإساءة المتعمدة إلى الشعوب والأمم المحتلة، التي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة. ربما تظن السلطات الاستعمارية أن ذلك سيمر بدون عواقب أو بدون توفر العدالة الناجزة للقضاء على الاستعمار وكل تداعياته بالوسائل المناسبة.

هذه الممارسات ليست سوى ذر للرماد في العيون، ومحاولة لوقف رياح الحرية والاستقلال التي بدأت تهب بقوة، ولافتة الانتباه إلى تطلعات العشرات من الشعوب والأمم لاستعادة حقوقها المشروعة. دعونا نكون صريحين وواضحين. حتى قبل الانسحاب من الاتفاقية، ما هي التحسينات والإنجازات التي تحققت أو تم إجراؤها وتقديمها لأعضاء ما يسمى بالاتحاد على مدى 26 عامًا؟

لم تكن الخطوات الروسية العبثية تجاه المنظمات والمؤسسات المطالبة باستعادة الحقوق المشروعة لشعوبهم واوطانهم التي ترزح تحت الحكم الروسي سوى تخبط آخر للسلطات الروسية. فقد توصلت الشعوب المستعمرة لنتيجة تعنت الدولة الروسية واصرارها على ابقاء سيطرتها عليها وعلى أوطانها.لذلك قررت اتخاذ اجراءات تصعيدية مناسبة للتوصل إلى تفهم الدول الديمقراطية لقضية الحرية وحق تقرير المصير والاستقلال، ساعين للحصول على الدعم الدولي للاعتراف بحقوقهم المغتصبة.

يبدو بأن الاتحاد الأوروبي كان قد توصل الى نتيجة مفادها أن إمعان روسيا في مساعيها الرامية لتنفيذ سياستها الاستعمارية عبر مهاجمتها أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، في محاولة لاحتلالها وضمها، وقيامها قبل ذلك بسنوات، باحتلال شبه جزيرة القرم في فبراير/شباط 2014، وضمها الى روسيا بعد اجراء استفتاء شكلي، وكذلك السيطرة على عدة مناطق ومقاطعات من جنوب شرق أوكرانيا بالتعاون مع بعض الميليشيات المحلية الموالية لروسيا، وكذلك ضمّها الى الكيان الاستعماري الروسي بعد اجراء استفتاءات وإجراءات شكلية لا قيمة حقيقية لها.

فقد تم في في 16 مارس/آذار 2022،طرد روسيا من مجلس أوروبا بعد 26 عامًا من العضوية. وفي اليوم السابق، صوتت الجمعية البرلمانية بالإجماع على طرد روسيا“. وبحلول فبراير/شباط 2023، اعتمد مجلس الدوما قانونًا ينهي صلاحية 21 معاهدة مع مجلس أوروبا فيما يتعلق بروسيا، بما في ذلك اتفاقية حقوق الإنسان.


Russian Empire – Peter l, Expansion, Reforms
britannica.com

العداوة تجاه المطالبين بالحرية وحق تقرير المصير

إن الخطوات الروسية السخيفة تجاه المنظمات والمؤسسات التي تطالب باستعادة الحقوق المشروعة لشعوبها وأوطانها الخاضعة للحكم الروسي لم تكن سوى خطأ آخر ارتكبته السلطات الروسية. لقد وصلت الشعوب المستعمرة إلى استنتاج عناد الدولة الروسية وإصرارها على الحفاظ على سيطرتها عليها وعلى أوطانها. وتحتاج روسيا إلى تجنيد مقاتلين من الشعوب والأمم غير الروسية لإرسالهم للقتال في الحرب التي فرضتها روسيا على أوكرانيا.

تم تحديث قائمة {المنظمات المتطرفة} على موقع وزارة العدل الروسية في 25 يوليو/تموز 2024. لاحظ المحامي أندريه فيدوركوف، الذي يتعاون مع مشروع حقوق الإنسان {دعم السجناء السياسيين. ميموريال}. وبحسب فيدوركوف، فقد راقب القائمة، لأنه افترض أن ظهور {منظمة متطرفة} أخرى عليها سيحدث في أي يوم الآن.”

لذلك قررت هذه الشعوب والأمم الشجاعة اتخاذ الإجراءات التصعيدية المناسبة للوصول إلى تفهم الدول الديمقراطية لقضية الحرية وحق تقرير المصير والاستقلال، سعياً للحصول على الدعم الدولي للاعتراف بحقوقها المغتصبة. بدأت هذه الإجراءات باتخاذ قرارات أمنية جائرة ضد الناشطين والشخصيات العامة، بالإضافة إلى مضايقة عائلاتهم ومعارفهم وجيرانهم. ناهيك عن الشعوب والأمم التي اغتصبت حقوقها وأوطانها لعقود من الزمن. جددت السلطات الاستبدادية الروسية حملات الترهيب والتنمر ضد عائلات البعض.

المنظمة غير الموجودة على الإطلاق سُمّيتْ: {الحركة العامة الدولية لتدمير الوحدة متعددة القوميات وسلامة أراضي روسياحركة انفصالية معادية لروسيا“. أحصت وزارة العدل 55 فئة هيكلية للحركة“.

مضايقة عائلات وجيران الناشطين الشركس

وقد بدأت هذه الإجراءات باتخاذ قرارات جائرة بحق النشطاء والشخصيات العامة، إضافةً إلى التضييق على شعوب وأمم مغتصبة حقوقها وأوطانها منذ عشرات السنين. فقد شنّت السلطات الاستبدادية الروسية حملات ترهيب وتنمر ضد العائلات والمواطنين لتحذيرهم من القيام بأي أنشطة تعتبر ضد السلطات المحلية والمركزية على حد سواء.

أفاد موقع حقائق القفقاس (Caucasus Realities) في 6 أغسطس/آب 2024 أنمسؤولي إنفاذ القانون جاءوا لتفتيش منزل والدي الناشط الشركسي مارتن كوشيسوكو في جمهورية قاباردينوبلكاريا. هذه هي الزيارة التفتيشية الثالثة لمسؤولي الأمن خلال شهر ونصفوتعيش الشخصية العامة حاليا خارج روسيااستدعت الشرطة الجيران كشهود، بينما رفض والديه الإجابة على أسئلة عناصر الأمن. ووفقًا له، فإن قوات الأمن تعرف أنه لا يعيش في هذا المنزل“.

وفي سياق مماثل، تولّت أجهزة الأمن الساذجة القيام بألعابها السخيفة المعتادة وأعمالها المروعة. “في 19 يوليو/تموز 2024، صرح كاسي كيك الذي يقيم حاليًا في الولايات المتحدة، أن الشرطة في جمهورية كاراشايشيركيسيا أجرت تفتيشًا لمقر إقامة والديه، وصادرت هواتفهما في خطوة وصفها بأنهاغير قانونية وغير مصرح بها” … وتم هذا التفتيش من قبل جهاز الأمن الفيدرالي ومركز مكافحة التطرف التابع لوزارة الداخلية المحلية“.


The Expansion of Russia
Source: William R. Shepherd, Historical Atlas (1911)

الختام

هنا، يجب أن يحفّز المنطق الحق المدافعين عن حقوق الإنسان والشعوب الأصلية التي احتُلت أوطانها، والمنادين بتصفية الاستعمار في الاتحاد الأوروبي والعالم، للإعلان عن إنشاء مجلس عالمي يعمل على تحقيق الحرية وحق تقرير المصير والاستقلال لعشرات الشعوب والأمم التي احتُلت أوطانها بقوة السلاح ولم تجد بعد الفرصة المناسبة لاستعادة حقوقها المغتصبة.

Share Button